حين طُرح اسم توني بلير لإدارة غزة بعد الحرب، سقط سريعًا تحت ثقل تاريخه الاستعماري ورفض الفلسطينيين، لكن سقوط بلير لم يُسقط المشروع نفسه، بل دفع واشنطن إلى البحث عن بديل أقل صخبًا وأكثر انسجامًا مع الحلفاء الإقليميين. من الغرف المغلقة خرج اسم جديد: نيكولاي ملادينوف.
ملادينوف ليس وجهًا إنسانيًا طارئًا، بل جزء من هندسة سياسية طويلة؛ وزير خارجية بلغاريا السابق، ومنسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط بين 2015 و2020، وواحد من تسعة فقط شغلوا هذا المنصب منذ أوسلو. خلال تلك السنوات نسج علاقات متوازنة مع الاحتلال والسلطة الفلسطينية وحتى حركة حماس، وكان لاعبًا أساسيًا في تهدئة 2018 بوساطة مصرية.
لكن ما لا يُقال عادة هو موقعه الإقليمي الجديد. فبعد خروجه من الأمم المتحدة تعزّز حضوره في أبوظبي، وشارك في تلميع اتفاقيات اقتصادية وسياسية، وبنى علاقة وثيقة مع فريق جاريد كوشنر مهندس اتفاقيات أبراهام. مصادر غربية تؤكد أن ملادينوف متأثر بالإمارات، التي لم تعد وسيطًا محايدًا في غزة، بل أكبر ممول محتمل لإعادة الإعمار وأقرب الحلفاء العرب لإسرائيل.
في المقابل، دخلت قطر في خلافات حادة مع الاحتلال، وأبدت السعودية تحفظًا على تمويل غزة دون ترتيبات أمنية، ومع كل تقدّم للدور الإماراتي يتقدّم اسم ملادينوف. الهدف، بحسب المعطيات، ليس بناء سلطة فلسطينية مستقلة، بل إنشاء إدارة انتقالية تمسك بالأمن والتمويل والمعابر من خارج غزة وبعيدًا عن إرادة سكانها. سقط بلير وصعد ملادينوف ضمن مخطط محسوب بدقة، لكن جوهر الخطة لم يتغيّر… فهل تمر، أم تُسقطها غزة كما أسقطت كل مؤامراتهم؟

