ترجمة وطن – قالت صحيفة جيروزليم بوست إن اعتراف إسرائيل بـ«جمهورية أرض الصومال» المعلنة من جانب واحد دولةً مستقلة ذات سيادة، فتح بابًا واسعًا للنقاش حول دوافع هذا القرار وتوقيته، وكذلك حول ما يمكن أن تحققه إسرائيل من هذا الاعتراف على المستوى الإقليمي.
وأضافت الصحيفة أن بعض المراقبين يرون في هذه الخطوة بداية لعصر جديد من التنافس الدولي في منطقة القرن الإفريقي، غير أن الواقع قد يكون أقل مما يوحي به هذا التصور، إذ تبدو المنطقة في كثير من الأحيان كرقعة شطرنج استراتيجية أكثر من كونها مسرحًا فعليًا لتحولات كبرى.
وأوضحت جيروزليم بوست أن أرض الصومال تقع في القرن الإفريقي، وتجاور دولًا مثل إثيوبيا وجيبوتي، إلا أن الاهتمام الدولي المتزايد لا يرتبط فقط بموقعها البري، بل بما يحيط بها من مسطحات مائية استراتيجية.
وبيّنت الصحيفة أن أهمية الاعتراف الإسرائيلي تتعاظم عند النظر إلى موقع أرض الصومال القريب من خليج عدن والبحر الأحمر، حيث يفصل بين هذين المسطحين مضيق باب المندب، الذي يُعد نقطة اختناق اقتصادية رئيسية لحركة الشحن المتجهة من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي، ما يجعله أحد أهم الممرات التجارية في العالم.
وأضافت الصحيفة أن حركة الملاحة في هذه المنطقة تعرضت خلال السنوات الأخيرة لهجمات متكررة نفذها الحوثيون المدعومون من إيران، والذين قالوا إن هجماتهم جاءت على خلفية الحرب في غزة. وقبل ذلك بعقود، شهدت المنطقة هجمات نفذها قراصنة صوماليون استهدفوا سفنًا قبالة سواحل شرق إفريقيا.
وأشارت جيروزليم بوست إلى أن هذه التطورات أعادت تسليط الضوء على المنطقة بأكملها بعد إعلان إسرائيل اعترافها بأرض الصومال.
التنافس الدولي في القرن الإفريقي
قالت الصحيفة إن هناك من يرى أن هذه الخطوة تعكس تصاعدًا في التنافس الدولي داخل القرن الإفريقي، في ظل انخراط عدد من القوى الإقليمية والدولية. فقد انخرطت تركيا في الصومال والسودان، بينما استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة في ميناء بأرض الصومال، في حين تمتلك دول أوروبية قواعد عسكرية وقوات في جيبوتي.
وأضافت أن معظم دول المنطقة تعاني في الوقت ذاته من ضعف مؤسساتي أو نزاعات داخلية. فالسودان يعيش حربًا أهلية منذ سنوات، والصومال تفككت فعليًا كدولة في أوائل تسعينيات القرن الماضي، ما أدى إلى تدخل دولي بلغ ذروته في معركة «سقوط الصقر الأسود» التي قُتل فيها جنود أمريكيون. كما تعاني إريتريا من الفقر المزمن، وشهدت إثيوبيا بدورها صراعات داخلية متكررة.
وأوضحت الصحيفة أن اليمن، الواقع على الضفة المقابلة للبحر، يعاني هو الآخر حربًا أهلية مستمرة منذ سنوات، وأن السعودية والإمارات العربية المتحدة تدخلتا عسكريًا عام 2015 لمنع الحوثيين من السيطرة على عدن. وأضافت أن اليمن كان منقسمًا خلال جزء كبير من القرن الماضي بين شمال وجنوب، وتدخلت مصر في شؤونه خلال ستينيات القرن الماضي، قبل أن يعود الانقسام اليوم بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية.
حسابات إقليمية معقدة
قالت جيروزليم بوست إن كثيرًا من المعلقين ينظرون إلى الاعتراف الإسرائيلي باعتباره خطوة استراتيجية تضع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة في معسكر واحد من حيث المصالح في المنطقة، مقابل دول أخرى مثل تركيا. لكنها أوضحت أن المشهد أكثر تعقيدًا من هذا التصنيف المبسط.
وأضافت أن السعودية والإمارات العربية المتحدة لا تتفقان في جميع الملفات المتعلقة باليمن، كما يُرجّح أن مصر لا ترحب بأي تغييرات في منطقة القرن الإفريقي، ولديها مخاوف متزايدة من تطورات الأوضاع في السودان، إضافة إلى قضايا أخرى مرتبطة بالمياه. وأشارت الصحيفة إلى أن قطر وعددًا من الدول الأخرى يعارضون خطوة الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال.
لماذا تبدو دول القرن الإفريقي ضعيفة؟
أوضحت جيروزليم بوست أن القضايا الحقيقية في القرن الإفريقي قد تبدو أحيانًا أكبر مما هي عليه فعليًا، وأن امتلاك قواعد بحرية أو أصول عسكرية في المنطقة لا يضمن السيطرة أو الاستقرار. فقد أثبتت هجمات الحوثيين أن استخدام طائرات مسيّرة وصواريخ منخفضة الكلفة يمكن أن يعطّل حركة الشحن الدولية بشكل كبير.
وأضافت أن القراصنة الصوماليين في السابق تمكنوا من اختطاف سفن باستخدام زوارق صغيرة مزودة بمحركات خارجية وبنادق كلاشينكوف، ما يعكس هشاشة الأمن البحري في المنطقة. وأكدت أن القرن الإفريقي فقير بالموارد، وهو ما يفسر ضعف العديد من دوله.
خلاصة المشهد
وختمت الصحيفة بالقول إن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال قد يكون أقل تأثيرًا مما يوحي به الحديث عن استراتيجيات كبرى، رغم تعدد مصالح الدول الفاعلة في المنطقة، من فرنسا والولايات المتحدة إلى تركيا وإيران، إضافة إلى الإمارات العربية المتحدة والسعودية.
وأضافت أن هذه المصالح لم تترجم حتى الآن إلى انخراط واسع أو حاسم، إذ تدرك معظم الدول أن هناك قضايا دولية أكبر وأكثر إلحاحًا تتصدر أولوياتها.
اقرأ أيضاً:










