نيويورك – وطن – في وقتٍ تتسابق فيه الشركات العالمية لترسيخ حضورها في عالم المركبات ذاتية القيادة، تبدو شركة «وايمو» – التابعة لمجموعة «ألفابت» المالكة لـ«غوغل» – في طريقها إلى تحقيق قفزة نوعية عام 2026، بعدما امتدت خدمات سياراتها الذاتية من لوس أنجلوس إلى أوستن وأتلانتا، لتصبح جزءاً مألوفاً في مشهد النقل الحضري الأمريكي.
ازدهار قطاع التنقل الذاتي
بدأت «وايمو» رحلتها عام 2009 كمشروع بحثي داخل مبادرة «X» التابعة لـ«غوغل»، قبل أن تتخذ شكلها المستقل عام 2016. وفي 2018، أبرمت تعاوناً مع شركة «جاغوار» البريطانية لاستخدام سياراتها الكهربائية من طراز I-Pace في الاختبارات، ما أتاح للشركة تطوير تجربتها العملية في بيئات نقل حقيقية.
وبحلول عام 2020، أصبح بإمكان المستخدمين في مناطق محددة تحميل تطبيق «وايمو» وطلب سيارة تعمل دون سائق بشري. وتؤكد الشركة أن أسطولها قطع ملايين الأميال، مسجلاً ما يقارب 250 ألف رحلة أسبوعياً، ومتجاوزاً حاجز 20 مليون رحلة منذ انطلاق الخدمة. لكنّ الهدف الجديد أكثر طموحاً: مليون رحلة أسبوعياً مع نهاية عام 2026، أي أربعة أضعاف المعدّل الحالي.
توسّع غير مسبوق في 2026
وتستعد «وايمو» في العام المقبل لدخول أكبر مرحلة توسّع لها حتى الآن، لتضيف نحو 20 سوقاً جديداً إلى نطاق عملياتها الحالية في سان فرانسيسكو وفينيكس ولوس أنجلوس وأوستن وأتلانتا. وتشمل خططها مدناً في الجنوب الأمريكي مثل ميامي ودالاس وهيوستن وسان أنطونيو وأورلاندو، على أن يبدأ التشغيل الكامل فيها مطلع 2026، إلى جانب لاس فيغاس وسان دييغو غرباً، وواشنطن العاصمة وديترويت شمالاً. كما أضيفت بالتتابع مدن كفيلادلفيا وبالتيمور وبيتسبرغ وسانت لويس إلى قائمة التوسّع.
ونظراً لتحديات الطقس في الولايات الشمالية التي قد تعيق أجهزة الاستشعار بسبب الثلوج أو الأمطار، تخطط الشركة لبدء التشغيل هناك بوجود مشرف بشري داخل السيارة لمراقبة الأداء والتدخل عند الحاجة، قبل الانتقال إلى القيادة الذاتية الكاملة.
أما نيويورك، التي تستوجب تصاريح خاصة، فستحتاج إلى فترة أطول للتشغيل الرسمي، بينما سيكون عام 2026 أيضاً موعد دخول «وايمو» أول أسواقها الدولية في لندن، إلى جانب تجارب ميدانية بدأت في طوكيو منذ أبريل الماضي.
استثمارات إنتاجية بملايين الدولارات
ولتلبية خططها الطموحة، وسّعت الشركة منشآتها الصناعية بالتعاون مع شريك التصنيع «ماغنا»، حيث يجري العمل على مضاعفة إنتاج المصنع في ولاية أريزونا ليصل إلى أكثر من ألفَي مركبة بحلول نهاية 2026. كما تستعد لإطلاق الجيل الجديد من روبوتاكسي مبني على منصة RT من شركة «زيكر»، بهدف تصنيع «عشرات الآلاف» من السيارات الذاتية سنوياً.
منافسة شديدة مع «تسلا»
تأتي هذه التحركات في ظل منافسة محتدمة مع شركات أخرى أبرزها «تسلا»، التي لا تزال خدماتها المحدودة تقتصر على أوستن ومنطقة خليج سان فرانسيسكو منذ منتصف 2025، مع نية التوسع في نيفادا وفينيكس. وبينما تعتمد «تسلا» على منظومة رؤية تعتمد فقط على الكاميرات وشبكات الذكاء الاصطناعي، فإن «وايمو» تستخدم مزيجاً من أجهزة «ليدار» والرادار والكاميرات، ما يجعل تكلفتها أعلى لكنه يمنحها مزيداً من الدقة وفق محللين.
المحلل إديسون يو من «دويتشه بنك» أكد أن «وايمو» تتصدر سباق القيادة الذاتية الحقيقية من المستوى الرابع في مناطق محددة مثل فينيكس وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، مستدلّاً بقدرتها على تشغيل سيارات دون سائق احتياطي. لكنه أشار إلى أن ذلك يتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة وبنية تحتية معقدة.
بيانات السلامة… سلاح وايمو الأبرز
تستند «وايمو» في خطابها إلى الجمهور والجهات التنظيمية إلى سجلّها في السلامة؛ إذ تُظهر بياناتها أن احتمال وقوع حادث يؤدي إلى إصابة أثناء قيادة سياراتها أقل بخمس مرات مقارنة بالسائق البشري، إذ تسجل نحو 0.8 حادث لكل مليون ميل مقابل 3.96 حادث لدى الإنسان.
وبالمقارنة، تشير بيانات الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة (NHTSA) إلى أن «تسلا» سجلت سبع حوادث في 250 ألف ميل، أي بمعدل يقارب 28 حادثاً في المليون ميل، ما يبرز الفجوة بين التجربتين في مجال الأمان.
تحديات ميدانية وتقنية
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تخلو التجربة من إخفاقات لوجستية. ففي 20 ديسمبر الماضي، أدى انقطاع كهربائي في سان فرانسيسكو إلى توقف عدد من سيارات «وايمو» في الطرقات بعد تعطل الإشارات المرورية، ما أثار تساؤلات حول جاهزية الأنظمة في حالات الطوارئ. وردّت الشركة بأنها تعمل على تطوير تحديث برمجي لتفادي مثل هذه الحوادث مستقبلاً.
ثقة الجمهور تتنامى
وعلى الرغم من التردد الطبيعي تجاه السيارات بلا سائق، تظهر استطلاعات الرأي تحسّناً ملحوظاً في تقبّل الجمهور لهذه التقنية، خصوصاً في المدن التي تنشط فيها «وايمو». فبحسب استطلاع أُجري في أبريل 2024، رأى 45% من المشاركين أن خدمات الروبوتاكسي آمنة، مقابل 37% أبدوا تحفظاً. وارتفعت نسبة المؤيدين في سان فرانسيسكو إلى 67% منتصف 2025، مقارنة بـ44% فقط في العام السابق.
مستقبل التنقل بين الأتمتة والثقة
وما بين ارتفاع مؤشرات السلامة وتوسع رقعة التشغيل واستثمارات البنية التحتية، تبدو «وايمو» مصممة على قيادة مرحلة جديدة من ثورة النقل الذاتي. ومع دخول مزيد من المدن الأمريكية والعواصم العالمية هذا المسار، سيبقى عامل الثقة في التقنية هو المعيار الحقيقي لقدرتها على التحوّل من تجربة مستقبلية إلى مشهد يومي مألوف في شوارع العالم.
اقرأ أيضا:







