وطن – أصبحت معادلة ارتفاع تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة بسيطة من الناحية الحسابية: فقد قفز التضخم قبل عدة سنوات، ولم تتح للأجور بعدُ فرصة كافية للحاق به.
أظهر أحدث تقرير عن سوق العمل، الصادر يوم الثلاثاء، أن المشكلة ازدادت سوءًا الشهر الماضي، بينما قد يُظهر تقرير منفصل عن التضخم، المقرر صدوره يوم الخميس، أن الضغوط المعيشية تشتد فعلًا.
وأفاد مكتب إحصاءات العمل يوم الثلاثاء أن متوسط أجر العامل الأمريكي بلغ 36.86 دولارًا في الساعة خلال شهر نوفمبر، بزيادة سنوية بلغت 3.5%. وقد يبدو ذلك ارتفاعًا جيدًا، لكنه بالكاد يكفي لمجاراة الزيادة السنوية في أسعار المستهلكين البالغة 3%. كما أنها أدنى زيادة سنوية في الأجور منذ مايو 2021.
وبطبيعة الحال، فإن هذا الرقم يمثل متوسطًا، وقد ارتفع بفعل زيادة بنسبة 4% في أجور أصحاب الدخل الأعلى الشهر الماضي، وفقًا لبيانات الإيداعات المصرفية لدى بنك أوف أمريكا. أما أسر الطبقة المتوسطة فبلغت زيادة أجورها 2.3% فقط، في حين لم تتجاوز زيادة أجور الأسر منخفضة الدخل 1.4% خلال العام الماضي.
والزيادات المحدودة في الأجور وعودة التضخم للارتفاع يغذيان مشكلة تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة.

وقال جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في شركة «آر إس إم يو إس»: «نمو الأجور يتباطأ ليدخل في أزمة قدرة على المعيشة مستدامة» وفق موقع سي إن إن.
وبلغ النمو السنوي في أجر الساعة للعاملين الأمريكيين ذروته عند 5.9% في مارس 2022، وهو مستوى لم يكن مستدامًا، ومنذ ذلك الحين يتراجع بوتيرة ثابتة. ويُعزى هذا الاتجاه جزئيًا إلى تقلّص تعديلات تكلفة المعيشة مع عودة التضخم إلى مستويات شبه طبيعية بعد بلوغه أعلى مستوى له منذ أربعين عامًا في يونيو 2022.
لكن تراجع نمو الأجور يعود أيضًا إلى تدهور سوق العمل. فقد خسرت الاقتصاد الأمريكي وظائف في ثلاثة من الأشهر الستة الماضية، ويتجه عام 2025 ليشهد أضعف نمو في الوظائف منذ أن قضى وباء عام 2020 على عدد قياسي منها.
ويبقى الناس في وظائفهم لفترات أطول، إذ أظهرت بيانات حكومية صدرت الأسبوع الماضي أن معدل الاستقالات الطوعية للعاملين انخفض في أكتوبر إلى أدنى مستوى له خلال خمس سنوات. وعندما لا يفقد أصحاب العمل موظفيهم، تقلّ لديهم الحوافز لرفع الأجور بشكل كبير لإبقائهم.
ولهذا السبب، قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأسبوع الماضي إن أفضل وسيلة لمعالجة مخاوف الأمريكيين بشأن تكاليف المعيشة هي تعزيز سوق العمل.
خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في ثلاث اجتماعات متتالية، بهدف تقليل تكلفة اقتراض الشركات للأموال. ومن الناحية النظرية، فإن ذلك من شأنه أن يحرر مزيدًا من رأس المال لدى أصحاب العمل لتوظيف المزيد من العمالة. وسيسهم سوق عمل أكثر نشاطًا في زيادة خيارات الأمريكيين الوظيفية، ما يفرض على الشركات دفع أجور أعلى للاحتفاظ بالعاملين واستقطاب آخرين.
وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن الناس مع مرور الوقت سيتأقلمون مع التكاليف التي بقيت مرتفعة بعد صدمة الأسعار التي حدثت قبل بضع سنوات. وستبدو هذه الأسعار أكثر معقولية مع نمو الأجور، بحسب رؤية باول.
وقال باول في مؤتمر صحفي عقب قرار المجلس بخفض الفائدة الأسبوع الماضي: «سنحتاج إلى بضع سنوات ترتفع فيها الأجور الحقيقية… حتى يبدأ الناس بالشعور بأن مسألة القدرة على تحمّل التكاليف تتحسن». وأضاف: «نحاول أن نحافظ على التضخم تحت السيطرة، لكننا نسعى أيضًا لدعم سوق العمل والأجور القوية، حتى يكسب الناس ما يكفي ويستعيدوا شعورهم بالاستقرار الاقتصادي».

لكن هناك جانبًا آخر للمعادلة، يتمثل في الأسعار التي تعاود الارتفاع في الأشهر الأخيرة. فبعد أن انخفض التضخم السنوي إلى أدنى مستوى له في أربع سنوات عند 2.3% في أبريل، عاد مجددًا إلى مستوى 3%، وهو المستوى الذي بدأ عنده عندما تولى الرئيس دونالد ترامب منصبه مجددًا في شهر يناير.
أما الجانب الإيجابي، وفقًا لباول، فهو أن هذا الارتفاع يعود بالكامل إلى الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، والتي من الناحية النظرية لن تزيد من مشاكل التضخم على المدى الطويل، إذ سترتفع الأسعار مرة واحدة ثم تستقر عند المعدل الجديد، لأن الرسوم الجمركية لا تتسبب في ارتفاع متواصل للأسعار بلا نهاية.
أما الجانب السلبي، فهو أن الأسعار قد ترتفع أكثر من مستوياتها الحالية. فقد امتصت الشركات حتى الآن نحو 80% من الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب، ما أدى إلى تقلص هوامش أرباحها، ويتوقع، وفقًا لتقديرات «جيه بي مورغان»، أن تبدأ هذه الشركات في تمرير جزء كبير من تلك التكاليف إلى المستهلكين في صورة ارتفاع الأسعار خلال العام المقبل.
ومن المتوقع أن يُظهر تقرير مؤشر أسعار المستهلكين، المقرر صدوره يوم الخميس، أن التضخم السنوي ارتفع إلى 3.1%، ما يضيق الفجوة بين نمو الأجور وزيادة الأسعار. وتشير الاتجاهات في الجانبين إلى المسار الخاطئ، مما يزيد من شعور الأمريكيين بأن تكاليف المعيشة في البلاد لم تعد في متناولهم.
عن سي إن إن

