وطن – في عالمٍ يزداد فيه إيقاع الحياة سرعة وضغطًا، تحوّل النوم الهادئ إلى رفاهٍ مفقودة يسعى كثيرون لاستعادتها بشتى الطرق. ومع تزايد التحذيرات من الإفراط في استخدام هرمون الميلاتونين الاصطناعي، بدأ الاهتمام يتجه نحو المعادن الطبيعية التي تلعب دورًا في تهدئة الجسم وتنظيم دوراته البيولوجية، وعلى رأسها المغنيسيوم والزنك. لكن أيّهما أكثر فاعلية في دعم النوم وجودته؟
المعادن والنوم: علاقة أعمق مما نظن
يرى المختصون أنّ النوم ليس مجرّد استراحة ليلية، بل عملية فسيولوجية دقيقة تؤثر في صحة الدماغ والقلب والأوعية الدموية والتمثيل الغذائي. غير أنّ شريحة واسعة من الناس حول العالم، وخصوصًا في الولايات المتحدة، تعاني اضطرابات في النوم تدفعها إلى البحث عن بدائل طبيعية.
من بين الحلول التي تتكرر التوصية بها يأتي عنصران أساسيان: المغنيسيوم، الذي يشارك في مئات العمليات الحيوية، والزنك، وهو عنصر نادر يرتبط بإنتاج بعض الهرمونات المنظمة للنوم مثل الميلاتونين والسيروتونين.
المغنيسيوم: تهدئة الأعصاب بوصفة طبيعية
يشرح اختصاصي التغذية جوردان هيل أنّ المغنيسيوم يساعد على تهدئة الجهاز العصبي، مما يهيّئ الجسم والعقل للدخول في حالة استرخاء تسهّل النوم العميق. فهو يؤثر في النواقل العصبية المثبطة في الدماغ مثل “غابا” التي تساهم في الشعور بالهدوء والاستعداد للنوم.
وفي دراسة نُشرت عام 2025 في مجلة Nature and Science of Sleep، أظهر المشاركون الذين يعانون ضعفًا في جودة النوم تحسنًا طفيفًا بعد تناول مغنيسيوم غليسينات، لا سيّما لدى من كان نظامهم الغذائي فقيرًا بهذا العنصر. ويؤكد الطبيب كينيث لي، مدير مركز اضطرابات النوم في جامعة شيكاغو للطب، أنّ نتائج الدراسات تتوافق مع ملاحظاته السريرية؛ فبينما يساعد المغنيسيوم بعض المرضى بشكل واضح، لا يلاحظ آخرون تغييرًا ملموسًا.
محاذير تناول المغنيسيوم
يحذّر معهد الصحة الوطني الأميركي من أنّ مكملات المغنيسيوم قد تُسبّب آثارًا جانبية مثل الإسهال أو الغثيان أو تقلصات البطن، خصوصًا في صورته الكربوناتية أو الأكسيد أو الكلوريد. فيما تُعدّ تركيبة الغليسينات الأكثر تحمّلًا للجسم.
كما يمكن للمغنيسيوم أن يتداخل مع بعض الأدوية، مثل مضادات الحموضة من فئة “مثبطات مضخة البروتون”، والمضادات الحيوية، وأدوية هشاشة العظام، ومدرات البول، لذا يُنصح باستشارة الطبيب قبل البدء بأي مكمل.
الزنك: دعم الهرمونات المنظمة للنوم
أما الزنك، فيصفه لي بأنه “عنصر داعم في عملية تنظيم النوم”، إذ يعمل كمساعد إنزيمي لإنتاج الميلاتونين والسيروتونين، وهما هرمونان أساسيان لدورات النوم والاستيقاظ.
تشير مراجعة بحثية صدرت عام 2024 في مجلة Health Science Reports إلى أنّ مكملات الزنك قد تُحسّن جودة النوم العامة، لكنها لا تُحدث فرقًا ملحوظًا لدى المصابين بالأرق المزمن أو قلة النوم الشديدة.
ويضيف لي أنّ بعض الدراسات الصغيرة ربطت بين تناول أطعمة غنية بالزنك وزيادة سهولة بدء النوم وتحسن طفيف في مدته، لكن العلاقة السببية لم تتأكد بشكل قاطع. وتوضح هيل أنّ الزنك يؤدي “دورًا داعمًا عامًا”، بخلاف المغنيسيوم الذي يُظهر أثرًا مباشرًا على استرخاء الجهاز العصبي.
مخاطر الإفراط في الزنك
على الرغم من فائدته، لم تُختبر مكملات الزنك بشكل كافٍ، ويظل تأثيرها طويل الأمد غير محسوم. وحسب بيانات معهد الصحة الوطني الأميركي، فإن الجرعات المرتفعة قد تُسبّب الغثيان أو الصداع أو الدوخة أو فقدان الشهية. وتجاوز الحدّ الأعلى الموصى به يوميًا (40 ملليغرامًا) قد يؤدي إلى انخفاض امتصاص النحاس، ما ينعكس سلبًا على المناعة أو يقلّل من مستوى الكوليسترول الجيد في الدم.
أيّ الخيارين أنسب لك؟
يؤكد الخبراء أن كلا المعدنين يلعب دورًا مهمًا في آلية النوم، لكن تأثير كلٍّ منهما يختلف. فـالمغنيسيوم يُساعد غالبًا من يعانون صعوبة في النوم أو في البقاء نائمين طوال الليل، بينما الزنك يُسهم في تعزيز جودة النوم عمومًا وتقليل احتمالات اضطرابه.
وبالتالي، يُنصح من يجد صعوبة في التهدئة قبل النوم بتجربة المغنيسيوم أولًا، فيما قد يكون الزنك خيارًا أفضل لمن يشتكون تعبًا نهاريًا وشعورًا بانخفاض جودة نومهم. ومع ذلك، تبقى استشارة الطبيب ضرورية قبل البدء بأي مكمل غذائي.
النوم الطبيعي أولًا
ويُذكّر الدكتور لي بأنّ النوم عملية فطرية، وأنّ فقدانها غالبًا ما يرتبط بالتوتر أو اضطراب الإيقاع الحيوي. لذا، فالخطوة الأهم قبل التفكير في المكملات هي إعادة تدريب الجسم والعقل على النوم الطبيعي.
من الوسائل المفيدة لذلك: تخصيص وقت للاسترخاء قبل النوم بساعة، تجنّب الطعام والرياضة في الساعتين السابقتين للنوم، وحصر استخدام السرير في النوم والعلاقة الزوجية فقط.
المكملات الغذائية ليست أدوية
المكملات الغذائية ليست أدوية ولا تُستخدم لتشخيص أو علاج أو الوقاية من الأمراض، وينبغي توخّي الحذر عند تناولها خصوصًا للحامل أو المرضع، أو عند إعطائها للأطفال دون إشراف طبي.
ويبقى المفتاح الحقيقي للنوم السليم هو نمط حياة متوازن، يتّسع فيه الوقت لراحة الجسد وهدوء الذهن؛ فالنوم العميق، في نهاية المطاف، هو انعكاس لصحة الجسد وسلام النفس.
اقرأ أيضاً:










