في مشهدٍ أثار الجدل، وقف خطيب الجمعة في أحد مساجد الإمارات يقرأ من ورقةٍ أعدّت بعناية في دهاليز السلطة، مكرّرًا عباراتٍ تحذّر المصلين من تصديق ما يُنشر عن دولتهم في الإعلام ومواقع التواصل، داعيًا إلى “الاعتماد فقط على المصادر الرسمية”.
الخطبة التي جاءت بصوتٍ متهدّجٍ يخنقه التردّد، لم تحمل وعظًا ولا تذكيرًا بالله كما اعتاد الناس، بل بدت أشبه ببيانٍ سياسي يُملى على المنابر، يخاطب العقول لا القلوب، ويهدف إلى ضبط الوعي العام تحت غطاء “الدين والطاعة”.
توقيت الخطبة لم يكن صدفة، فالعالم يضج بفضائح تورّط الإمارات في الملف السوداني، والاتهامات تلاحق محمد بن زايد بالدعم والتمويل، بينما تحاول أبوظبي امتصاص الغضب الشعبي بخطابٍ موحّد يطالب المواطنين ألا يروا إلا ما يُعرض على شاشاتها.
إنها نسخة جديدة من مقولة فرعون “ما أريكم إلا ما أرى”، حيث يُراد للمنابر أن تُستخدم لتزييف الوعي وتخدير العقول. غير أن التاريخ، كما يذكّرنا دائمًا، لا يرحم، والكلمات التي تُفرض على الألسنة اليوم قد تصبح غدًا شرارة توقظ ما تبقّى من ضمير خلف الجدران الصامتة.

