في الرياض، لم يعد الكريسمس حدثًا يهمس به في الخفاء، ولا مناسبة تُحتفل خلف الأبواب المغلقة. ما كان ممنوعًا لعقود ومحاطًا بالتحريم، خرج اليوم إلى العلن بهدوء محسوب، لكنه محمّل بدلالات عميقة، مع زينة الميلاد، وأشجار الكريسمس، وأجواء رأس السنة، وحتى المعتمر الأجنبي بات يستقبل هدايا أعياد الميلاد بشكل رسمي، لتصبح جزءًا من المشهد العام في مدن سعودية عدة.
هذا التحوّل الصادم يقارن بتاريخ طويل من المنع الصارم، حين كانت المؤسسة الدينية تفرض رؤيتها على الفضاء العام وتجرّم أي مظهر احتفالي لا ينسجم مع خطابها. اليوم، بدأ الحضور الديني يتراجع لصالح خطاب الدولة الجديد، الذي يحمل عنوان «الانفتاح»، حيث لم يعترف الكريسمس رسميًا كعيد، لكنه حظي بما هو أهم: السماح الضمني وغض الطرف، وترك المجال للناس والأسواق لتقرر وفق خياراتها.
ويشير المراقبون إلى أن هذا التحوّل ليس انعكاسًا لتغيير اجتماعي عفوي، بل قرار سياسي واعٍ يعيد رسم صورة السعودية داخليًا وخارجيًا. الدولة، التي كانت تتصدر تحريم التهاني والاحتفالات، تحوّلت إلى كيان يتعايش مع رموزها، مع المحافظة على السيطرة على مسار القيم والخطاب العام.
اليوم، أصبح الكريسمس في السعودية ليس مجرد احتفال ديني، بل علامة فارقة على أفول زمن الوصاية الدينية، وبروز زمن جديد تُدار فيه القيم من بيت ولي العهد، لا من المنابر التقليدية، في فصل جديد من تاريخ المملكة يربط بين الانفتاح الداخلي والمكانة الدولية.
قد يهمك أيضاً:










