تسعمئة يوم من الدم والرماد، يعيش فيها السودان أقسى كوابيس القرن. مهد الحضارة تحوّل إلى مسرحٍ للموت والجوع والخراب؛ أكثر من 20 ألف قتيل وقرابة 15 مليون نازح، مدن بلا مدارس، أطفال بلا طفولة، ومستشفيات تلتهمها النيران. منذ أبريل 2023، ينهش الجيش وقوات الدعم السريع جسد الوطن، فلا منتصر سوى الدمار. الخرطوم صارت مدينة أشباح، وكردفان ودارفور تُختزلان اليوم في مآسٍ بلا نهاية.
الأمم المتحدة تصف الوضع بأنه أسوأ أزمة إنسانية على وجه الأرض: أكثر من 30 مليون إنسان ينتظرون شربة ماء أو لقمة نجاة، و14 مليون طفل بلا تعليم ولا أفق. القرى تُباد، العائلات تُهجّر، والأوبئة تجوب الركام بحرية—الكوليرا، الملاريا، الحصبة—فيما العالم يتفرّج بصمتٍ فاضح.
حتى من عادوا إلى الخرطوم عادوا إلى أنقاضٍ ميتة؛ بيوت مهدّمة ومياه ملوّثة وأمراض تنهش الأجساد. ومع ذلك، هناك من يحاول النهوض من تحت الركام—أطفال يرسمون الأمل على الجدران المحروقة، وأمهات يزرعن الحياة في أرضٍ اختنقت بالموت.
لكن الدعم الدولي ضئيل، والتمويل الإنساني لم يصل إلى ربع ما وُعِد به. يُترَك السودان ليموت ببطء، لأن لا نفطًا يغري ولا مصالح تستحق العناوين. اليوم يقف السودان بين الحياة والموت، دولة تنهار وشعب يُعاقَب لأنه لم يمت بعد. تسعمئة يوم من الجحيم، ومع ذلك، ما زال السودان يقف ويصرخ في وجه العالم: لا تنسونا… فحتى تحت الركام، ما زالت لنا حياة.

