تتجه كلّ الأعين إلى الجزائر، بعد أن خرج من باريس، ومن خلف لافتات «الحقوق» و«تقرير المصير»، اسم اعتاد الظهور عند كل منعطف: فرحات مهني، معلنًا ما أسماه «استقلال منطقة القبائل». إعلان صاخب بلا شرعية، أعاد طرح السؤال الجوهري: أي استقلال هذا، ومن فوّضه، وأي شعب يتحدث باسمه، فيما القبائل نفسها، بأحزابها ومثقفيها وشبابها، قالت كلمتها الواضحة: لا للانفصال.
الوقائع تكشف أن ما يجري ليس حراكًا شعبيًا، بل دكانًا سياسيًا بلا جذور داخل الجزائر، يعيش ويتغذّى في العواصم الأوروبية. فرحات مهني، الذي رفع علم إسرائيل في شوارع باريس بينما كانت غزة تُباد، لم يُخفِ يومًا بوصلته، ولا الجهات التي فتحت له المنصات وتكفّلت بالفاتورة.
في الخلفية يبرز تحالف غير مُعلن، لكنه حاضر في كل مشروع تفكيك وكل محاولة ضرب لدولة عربية رفضت الاصطفاف: إسرائيل والإمارات. أبوظبي، التي لم تستسغ فشل مشروعها في الجزائر ولا موقعها المستقل إقليميًا، تبحث عن ثغرة، وكان الانفصال دومًا السلاح الأرخص والأسرع لإرباك الدول.
وعندما اقترب العبث من المصالح، تراجعت باريس خطوة، فمنعت إعلان «دولة القبائل»، لا دفاعًا عن وحدة الجزائر، بل خشية انهيار علاقة متوترة معها. هكذا تُدار اللعبة، والرسالة لا تحتمل التأويل: مشروع التقسيم قائم، ممولوه معروفون، وأدواته مكشوفة. اليوم الجزائر، وغدًا كل دولة عربية ترفض أن تُدار بالريموت كنترول.

