وطن – في مقال نُشر مؤخرًا في صحيفة وول ستريت جورنال، حاول الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد السودان ورئيس القوات المسلحة السودانية، عرض رؤيته للحرب المشتعلة في البلاد منذ أبريل 2023.
وقد لفت الانتباه بشكل خاص حديثه عن التطبيع مع إسرائيل حين قال: «في عام 2021، اتخذ السودان خطوة تاريخية بانضمامه إلى اتفاقات أبراهام. نحن نؤمن أن السلام والتعاون هما الطريق الوحيدان نحو شرق أوسط مستقر وقرن إفريقي أكثر استقرارًا».
وقالت صحيفة “جيروزاليم بوست” أن هذا التصريح يظهر أن التطبيع أصبح أداة يستخدمها قائد عسكري يسعى إلى شرعية دولية وسط حرب تسببت في أسوأ كارثة إنسانية يشهدها العالم في عام 2025، إذ نزح أكثر من 12 مليون شخص.
وشهد السودان ثورة شعبية في عام 2019 أطاحت بالرئيس عمر البشير بعد ثلاثين عامًا من الحكم، وتم تشكيل حكومة انتقالية. غير أن البرهان وشريكه، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان «حميدتي» دقلو، قادا انقلابًا عسكريًا في أكتوبر 2021. وبعد أقل من عامين، اندلع قتال عنيف بين الجيش وقوات الدعم السريع ولا يزال مستمرًا حتى الآن.
لكن البرهان ليس وحده في هذا المسار. تقول الصحيفة الإسرائيلية وتضيف: فقد تبنّى حميدتي الموقف نفسه، معلنًا تأييده للتطبيع في أكثر من مناسبة. وحتى أثناء قيادته حربًا دامية شهدت فظائع موثقة في دارفور، استخدم ممثلون عن قوات الدعم السريع، بمن فيهم نصر الدين عبد الباري، وهو أحد قادة الحكومة التي أسستها القوات، ملفّ التطبيع كدليل على البراغماتية والانفتاح على الشراكات الغربية. كانت الرسالة من الطرفين واضحة ومتشابهة: «أنا الرجل المطلوب – وسأحقق التطبيع».

حيلة قديمة بثوب جديد
اتخذ السودان خطوات نحو التطبيع منذ أكتوبر 2020 كجزء من اتفاقات أبراهام. وفي فبراير من العام نفسه، التقى البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي بأوغندا، ما أثار جدلاً واسعًا. والمفارقة أنه نفّذ انقلابًا بعد أقل من عامين، ما يكشف أن التطبيع لم يكن مشروعًا وطنيًا بل أداة تكتيكية لكسب الدعم الغربي وترسيخ سلطة العسكر.
وليس هذا النهج بجديد. ففي يناير 2016 صرّح وزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور بأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يمكن بحثه مقابل رفع العقوبات، لكنها محاولات فشلت لغياب المصداقية الشعبية. واليوم يكرر كل من البرهان وحميدتي هذا النهج تحت ظروف أكثر سوءًا، إذ يقدم كل منهما نفسه كشريك موثوق للغرب بينما تنهار البلاد.
تناقضات لا يمكن إخفاؤها
ما يجعل اللحظة الراهنة أكثر غموضًا هو التناقض بين مسار البرهان المعلن وتحالفاته الفعلية. فبينما يقدم نفسه شريكًا منفتحًا على إسرائيل، أنشأ في الوقت نفسه شبكة تمتد نحو إيران وعزز نفوذ التيارات الإسلامية المتشددة داخل مؤسسات الدولة. قدمت إيران للجيش السوداني طائرات مسيّرة من طراز «مهاجر-6»، وتؤكد تقديرات استخباراتية اتساع نطاق شبكات تهريب السلاح الإيرانية داخل السودان رغم القيود الدولية. وفي الوقت نفسه، عادت شبكات الإسلاميين التابعة لنظام البشير إلى مواقع صنع القرار، وبدأت في تصوير الحرب كصراع أيديولوجي.
يمثل هذا المشهد إعادة إنتاج لنظام يشكل تهديدًا طويل الأمد للمنطقة. إذ يؤدي تصاعد نفوذ الإسلاميين في قرارات الأمن والدفاع إلى خلق بيئة قد تنتج جبهة معادية جديدة على ساحل البحر الأحمر، جبهة لا يمكن ضمان استقرارها أو السيطرة عليها. يحكم البرهان عبر منظومة عسكرية تخوض حربًا دمّرت المدن الكبرى وشرّدت الملايين، فيما يرفض مبادرات الوساطة ويصر على الحل العسكري.

هذا التحالف – القائم على الاعتماد على شبكات إسلامية مع التعاون العسكري مع طهران – يكشف عن تناقض يصعب إخفاؤه.
يقدم البرهان التطبيع كخيار استراتيجي، بينما تمس تحالفاته الفعلية جوهر ما تعتبره إسرائيل والمنطقة بأسرها مخاطر هيكلية: دعم مباشر من إيران، وتأثير أيديولوجي داخل المؤسسة العسكرية، وإمكانية تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة تنافس أمني مفتوح.
ويطرح ذلك سؤالًا مشروعًا: هل يمكن بناء علاقة استراتيجية مع شريك عسكري يتلقى أسلحته من الخصم الإقليمي الرئيسي لإسرائيل؟
تزداد المفارقة تعقيدًا عند النظر إلى أبرز حلفاء البرهان: فمصر، الداعم الثابت له، وتركيا، التي تزوده بطائرات «بيرقدار تي بي-2» المسيّرة، تمرّان بأحد أسوأ فترات علاقاتهما مع إسرائيل، بينما تربط السعودية أي تطبيع محتمل بمسار القضية الفلسطينية.
تطبيع بلا شرعية
قد تكون لدى إسرائيل مبررات مشروعة للسعي إلى السلام، لكن في ظل هذه الظروف، لا تصب مصلحتها في الارتباط بنظام يزداد اقترابًا من الإسلاميين وإيران، ويدور حول شخصية واقعة تحت عقوبات أمريكية ومتهمَة بارتكاب جرائم حرب كما أوردت صحيفة “جيروزاليم بوست” متجاهلة جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل.

