وطن – للمرة الأولى، لم تعد الروبوتات مجرد أدوات ميكانيكية تثير الإعجاب، بل أصبحت مصدر قلق حقيقي. خلال عام واحد فقط، انتقلت أنظمة آلية مستقلة من المختبرات المغلقة إلى الشوارع، والمصانع، وحتى البيئات العسكرية، في مشهد يعكس تحولًا جذريًا في علاقة البشر بالتكنولوجيا.
شهد هذا العام ظهور روبوتات قتالية مستقلة في تطبيقات فعلية، وتطور الروبوتات البشرية من هياكل جامدة إلى كائنات تتحرك وتتفاعل بطريقة توحي بأنها “حية”. في الصين، انتشرت روبوتات شرطية في شوارع حقيقية، واقتربت فكرة “الجيوش البشرية الآلية” من الواقع، بينما ظهرت أنظمة قادرة على التعلم، والتكيف، بل وحتى إصلاح نفسها وتوليد طاقتها ذاتيًا.
الصين في الصدارة… والقلق عالمي
يرى خبراء عسكريون أن التقدم الصيني في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي قد يشكل عاملًا حاسمًا في أي صراع دولي محتمل، خصوصًا في ظل تصاعد التوتر حول تايوان. تقارير غربية تشير إلى أن بكين تعمل على إعداد جيشها، بما في ذلك الأنظمة الروبوتية، لسيناريوهات واسعة النطاق خلال السنوات القليلة المقبلة.
في المقابل، تضخ الولايات المتحدة استثمارات ضخمة للحفاظ على تفوقها في الذكاء الاصطناعي العسكري، ما يفتح الباب أمام سباق تسلح تقني غير مسبوق. ويحذر مختصون من أن هذا السباق، إذا تُرك دون ضوابط، قد يتحول من منافسة استراتيجية إلى تهديد وجودي.
كلاب آلية أسرع من البشر
من أكثر المشاهد إثارة للجدل، ظهور كلاب روبوتية صينية قادرة على الجري بسرعات تقترب من أبطال ألعاب القوى، والقفز فوق العوائق، وتسلق التضاريس الوعرة، بل وحمل البشر أو المعدات الثقيلة. بعض هذه النماذج صُممت بعجلات مدمجة في أطرافها، ما يمنحها قدرة مزدوجة على الركض والانزلاق بسرعة عالية.
هذه الروبوتات، التي عُرض بعضها في مناورات عسكرية، أثارت مخاوف من تحويلها إلى منصات قتالية مستقلة، خصوصًا مع إمكانية عملها ضمن مجموعات منسقة، وهو ما دفع مراقبين إلى وصفها بـ“روبوتات الذبح”.
الروبوتات البشرية تغادر المختبر
لم تعد الروبوتات البشرية مجرد نماذج تجريبية. شركات صينية عدة أعلنت دخول مرحلة الإنتاج شبه الواسع، مع آلاف الوحدات الجاهزة للعمل في المصانع، والمخازن، والمطاعم، وحتى المتاجر. هذه الروبوتات قادرة على المشي بسرعة قريبة من البشر، صعود السلالم، حمل الأوزان، والتفاعل صوتيًا وبصريًا مع المحيط.
اللافت أن أسعار هذه الروبوتات انخفضت بشكل كبير، إذ ظهرت نماذج تباع بعشرات الآلاف من الدولارات، وأخرى بأقل من ذلك بكثير، ما كان يُعد مستحيلًا قبل سنوات قليلة فقط.
في الوقت نفسه، تواصل شركات غربية مثل Boston Dynamics تطوير روبوتات ذات حركة طبيعية مذهلة، قادرة على الجري والقفز والدوران بمرونة أقرب إلى الرياضيين المحترفين، بينما تعمل شركات مثل Tesla على تسويق روبوتات بشرية للاستخدام الصناعي والمنزلي خلال الأعوام المقبلة.
من المصانع إلى ساحات الحرب
أظهرت الحرب في أوكرانيا كيف يمكن لطائرات مسيّرة منخفضة التكلفة أن تُحدث دمارًا يفوق قيمتها بكثير، وهو درس استوعبته بكين جيدًا. الصين اليوم تُعد أكبر مُصنّع للطائرات المسيّرة الاستهلاكية في العالم، ما يمنحها قدرة هائلة على تحويل خطوط الإنتاج المدنية إلى عسكرية عند الحاجة.
في أي صراع طويل الأمد، يرى محللون أن العامل الحاسم لن يكون التفوق التكنولوجي فقط، بل القدرة على الإنتاج الكمي المستمر من الذخائر والروبوتات والأنظمة الذاتية.
الذكاء الاصطناعي… الخطر غير المرئي
الخطر لا يكمن في الآلات وحدها، بل في العقول الرقمية التي تديرها. أظهرت تجارب حديثة أن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة قادرة على الخداع، وتجاوز القيود المفروضة عليها، بل ومحاولة الهروب من بيئات اختبار مغلقة.
مع اقتراب هذه الأنظمة من مستويات أداء تضاهي البشر في اختبارات معقدة، يحذر باحثون من أن ذكاءً اصطناعيًا “وكيلًا” قد يطور أهدافًا ذاتية تتعلق بالبقاء أو السيطرة على الموارد، خصوصًا إذا مُنح صلاحيات مباشرة للتحكم في أنظمة مادية.
ورغم الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في الطب، والطاقة، ومواجهة التغير المناخي، يخشى كثيرون أن تطغى الاستخدامات العسكرية على هذه الفرص، فتُدفن الفوائد تحت سباق الهيمنة.
مستقبل مفتوح… ومخيف
في المعارض التقنية العالمية، عُرضت رؤى واعدة لروبوتات تساعد في المنازل، وترجمة فورية عبر نظارات ذكية، وأنظمة ذكية لإدارة الحياة اليومية. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كانت هذه هي التقنيات المعروضة للعامة، فكيف تبدو الأنظمة السرية المخصصة للجيوش؟
بين دعوات لتنظيم عالمي يشبه معاهدات الحد من الأسلحة النووية، وإصرار الدول الكبرى على عدم التراجع في سباق الذكاء الاصطناعي، يقف العالم أمام مفترق طرق حاسم.
الروبوتات لم تعد مستقبلًا بعيدًا. إنها هنا، تتحرك، تتعلم، وتُغيّر قواعد اللعبة. والسؤال لم يعد: هل سيحدث هذا التحول؟ بل: كيف سننجو منه إن خرج عن السيطرة؟
اقرأ أيضاً:

