بغداد – وطن – مع مطلع العام الجديد، وجد الشارع العراقي نفسه أمام واقع اجتماعي مثير للجدل بعدما أقر البرلمان تعديلات قانونية تسمح بزواج الفتيات بمجرد بلوغهن ما يُعدّ “سن النضج الجسدي”، وهو ما عُرف إعلاميًا بما يسمى بـ”قانون الجعفري“. هذه الخطوة، التي دخلت حيّز التنفيذ في يناير، أحدثت موجة من الجدل بين من يعتبرها “توافقًا مع أحكام الشريعة”، وبين من يراها بوابة مفتوحة لاستغلال الطفلات وشرعنة العنف ضدهن.
طفلات يتحولن إلى عرائس قسراً
وتحت هذا القانون، يتيح لبعض العائلات تزويج بناتهن دون الحاجة إلى موافقتهن الصريحة، وهو ما تجسد في حالة “أماني”، الفتاة ذات الثانية عشرة عامًا التي خُطبت لشاب في السابعة عشرة لم تره من قبل.
أفراد عائلتها أكدوا أن الزواج سيتم “دون الرجوع لرأيها”، بينما وافق أحد رجال الدين المحليين على العقد استنادًا إلى بلوغها سن البلوغ الجسدي.
في إحدى مقابلات الصحافة البريطانية، اعترف أحد أقارب أماني بأن أربعًا من بنات عمومتها قد زُوّجن بعد تمرير القانون الجديد “لدواعٍ مالية”، ما يكشف حجم الصلة بين الفقر وتزويج القاصرات في مناطق عراقية عدة.
سوق زواج مزدهر في بغداد
منذ إقرار التشريع، شهد قطاع الأعراس في العاصمة ازدهارًا غير مسبوق، حيث ارتفعت مبيعات محال فساتين الزفاف ومستلزمات الحفلات، بينما يؤكد عاملون في هذا المجال أن “أعمار الزبونات أصبحت أصغر بكثير مما كانت عليه”. وتحدثت خبيرة تجميل عراقية تُدعى براء ماصر عن تزايد عدد الفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن عشر سنوات ضمن زبائنها الجدد.
منظمات حقوقية: “الزواج المبكر اغتصاب مشرعن”
المنظمات النسوية والحقوقية في العراق أبدت قلقًا بالغًا إزاء ما وصفته “بإضفاء الشرعية على زواج القاصرات”، معتبرة أن القانون يسمح للأسر بالتعامل مع بناتهن كوسيلة لتحسين المكانة الاجتماعية أو الكسب المالي. وقالت إحدى الناشطات إن النص الجديد “يتيح للأهل مقايضة بناتهم بالمال أو النفوذ”، مضيفةً أن ما يحدث فعليًا هو “تقنين لاغتصاب الطفلات”.
أرقام صادمة وظواهر مقلقة
تقديرات الأمم المتحدة لعام 2023 تشير إلى أن 28% من الفتيات في العراق قد تزوّجن قبل بلوغ الثامنة عشرة، فيما تمثل الزيجات غير المسجلة نسبة إضافية تبلغ 22% وتشمل في الغالب فتيات تقل أعمارهن عن 14 عامًا. هذه الأرقام، وفق خبراء اجتماعيين، مرشحة للارتفاع ما لم يُعَد النظر في القانون الجديد ويُفعّل الدور الرقابي والمؤسساتي لمحاسبة المتورطين باستغلال الأطفال.
تجارة خفية وغياب للعدالة
تؤكد منظمة “حرية المرأة في العراق” (OWFI) في بغداد أن البلاد تشهد توسعًا في “سوق سوداء” تُباع فيها الطفلات للراغبين في الزواج بهن. وتقول غِزي، إحدى القائمات على دور الإيواء التابعة للمنظمة، إن العديد من الآباء يُخرجون بناتهم من المدارس ويبيعونهن تحت ضغط الحاجة المالية، في ظل تشجيع غير مباشر من بعض رجال الدين الذين ينتفعون من توثيق تلك الزيجات.
وتحذر غِزي من أن هؤلاء الأطفال “لا يدركن أن القانون الجديد يمنح أزواجهن السيطرة الكاملة على حياتهن، بما في ذلك الطلاق والزواج بأخريات وانتزاع الحضانة”.
بين الفقر والتقاليد
مصادر دينية في منطقة الكاظمية أكدت أن بعض رجال الدين يتقاضون مبالغ مقابل “مباركة” عقود الزواج، فيما أشار أحدهم إلى أنه منع فتاة في الخامسة عشرة من التحدث عن الطلاق إلا بحضور والدها، معربًا عن التزامه بـ”صلاحيات الولي” في مثل هذه الحالات.
نهاية مفتوحة في معركة الوعي
في ميادين بغداد وساحات التحرير، تستمر تظاهرات الناشاطات المطالبات بحماية الفتيات من الزواج القسري، حاملات لافتات تدعو إلى “الطفولة أولاً لا الزواج”. وبين معادلات الفقر والتقاليد والقانون، تبقى الطفلات الخاسر الأكبر في معركة تبدو إنسانية قبل أن تكون قانونية، تحتاج إلى وعي جماعي وتدخل سريع لحماية جيل يهدده فقدان الطفولة قبل أوانها.
اقرأ أيضاً:










