واشنطن – وطن – في مقال تحليلي لافت، طرح روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، سؤالًا بدا للوهلة الأولى محسومًا، لكنه في الواقع أكثر تعقيدًا مما يُتصوّر: من الذي خرج منتصرًا من حرب غزة، إسرائيل أم حركة «حماس»؟
سؤال ظنّ القادة أنه أُغلق
يكتب ساتلوف أنه عندما التقى دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، أعلن صراحة أن إسرائيل «انتصرَت». في المقابل، سارع قادة «حماس» إلى وصف ما جرى بأنه فشل إسرائيلي وانتصار لـ«المقاومة والصمود». لكن، وبعد مرور ثلاثة أشهر على وقف إطلاق النار، يؤكد الكاتب أن الإجابة لا تزال مفتوحة، بل ومربكة.
أهداف إسرائيل: إنجاز جزئي وإخفاق استراتيجي
وأوضح ساتلوف أن إسرائيل حدّدت منذ البداية خمسة أهداف مركزية للحرب، لم يتحقق منها سوى اثنين: استعادة الرهائن الإسرائيليين الأحياء، وإنشاء منطقة عازلة داخل قطاع غزة لمنع تكرار هجوم بحجم 7 أكتوبر. أما الأهداف الثلاثة الأخرى – نزع سلاح «حماس»، وتجريد غزة من السلاح، وإقامة إدارة مدنية فلسطينية مستقرة تحكم القطاع – فلم تتحقق، ولا تبدو قريبة المنال.
غزة بين خطين وحدود جديدة
وأضاف الكاتب أن الواقع الميداني الحالي يشير إلى سيناريو مرجّح مفاده أن «الغد سيشبه اليوم». فالقوات الإسرائيلية تسيطر على ما يزيد قليلًا على نصف مساحة غزة، حيث يقيم نحو 15 في المئة من السكان، بينما تسيطر بقايا «حماس» على شريط ساحلي أصغر، يقطنه ما يقارب 85 في المئة من السكان. ونقل ساتلوف عن قائد في الجيش الإسرائيلي وصفه لهذا الواقع بأنه «خط حدودي جديد»، في إشارة إلى ما يُعرف بـ«الخط الأصفر».
نزع سلاح «حماس»: المهمة المستحيلة
وأكد ساتلوف أن لا خطط عملية حقيقية لنزع سلاح «حماس»، رغم أن ذلك يُعد جوهر أي تنفيذ كامل لاتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترحه ترامب. فالقوتان الوحيدتان القادرتان نظريًا على تنفيذ هذه المهمة – الجيش الإسرائيلي والشرطة الفلسطينية – لا تمثلان خيارًا واقعيًا في المدى القريب، إما بسبب الكلفة السياسية والعسكرية، أو بسبب الرفض الإسرائيلي المزمن لأي دور أمني فعّال للسلطة الفلسطينية في غزة.
إسرائيل بين الإرهاق والإنجازات غير المكتملة
وأشار المقال إلى أن إسرائيل، رغم إنهاكها من الحرب، حققت بعض النجاحات الإضافية، مثل منع انفجار شامل في الضفة الغربية، والحفاظ على اتفاقيات السلام الإقليمية، والاحتفاظ بدعم الولايات المتحدة في ظل إدارتين مختلفتين تمامًا، بايدن وترامب. غير أن ساتلوف شدّد على أن لهذه النجاحات وجهًا آخر، يتمثل في تدهور العلاقات مع الشركاء العرب، وتراجع التأييد لإسرائيل داخل قطاعات متزايدة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة.
«حماس»: خسائر إنسانية ومكاسب سياسية
وعلى الجانب الفلسطيني، يقرّ الكاتب بأن سكان غزة تكبّدوا خسائر كارثية، شملت مقتل أو إصابة أكثر من 5 في المئة من السكان، وتدميرًا شبه كامل للقطاع، وتشريدًا واسع النطاق. لكنه يضيف أن «حماس»، التي بنت استراتيجيتها على تحمّل كلفة بشرية عالية، خرجت بنتائج سياسية وعسكرية «أفضل مما كان متوقعًا».
وأوضح ساتلوف أن الحركة لم تصمد عسكريًا فحسب، بل احتفظت بقدرتها على الحكم والسيطرة على ما يقارب نصف غزة، رغم هجوم إسرائيلي شامل استمر قرابة عامين. والأهم، برأيه، أن «حماس» باتت ترى نفسها لاعبًا دبلوماسيًا لا يمكن تجاهله.
اختراق دبلوماسي غير مسبوق
وأشار المقال إلى أن قادة «حماس» التقوا لأول مرة مسؤولين أميركيين كبارًا، من بينهم المبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف، كما خرجت كل من تركيا وقطر – الداعمتين التقليديتين للحركة – من الحرب بعلاقات أوثق مع ترامب. ومن مكاسب «حماس» أيضًا، وفق الكاتب، تعطيل مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، والاستفادة من تصاعد الإدانة الدولية لإسرائيل والصهيونية، حتى داخل أوساط مؤثرة في السياسة الأميركية.
لا منتصر واضح… وهدنة غير مستقرة
خلص ساتلوف إلى أن كلا الطرفين – إسرائيل و«حماس» – خرجا بمكاسب ملموسة من وقف إطلاق النار، وأن الإجابة عن سؤال «من انتصر؟» تعتمد على تعريف كل طرف للانتصار. ومن هنا، يرى الكاتب أن غياب منتصر أو مهزوم واضح يجعل الهدنة بطبيعتها هشّة، وربما مؤقتة.
وأضاف أن هذا الغموض قد يثير غضب ترامب إذا شعر بأن اتفاقه عالق في «منطقة رمادية»، كما قد يدفع الرأي العام الإسرائيلي إلى التحول من الاحتفال بإطلاق الرهائن إلى المطالبة بإكمال تفكيك «حماس»، ما يُنذر بانقسامات داخلية حادة قبيل الانتخابات المقبلة. ولذلك، يؤكد ساتلوف أن الحرب لم تنتهِ فعليًا، بل جرى تعليقها، وأن المرحلة التالية من الصراع تبدو مسألة وقت.










